في صبيحة أحد أيام عام 1976، كانت فتاتان جالستين في سيارتهما على جانب
الطريق، حين اقترب منهما رجل غريب. فجأة، أخرج الرجل مسدسًا وأطلق عليهما
النار. بعد هذه الجريمة، تلقت الشرطة رسالة من القاتل، كان يتفاخر فيها
بجريمته. في تلك اللحظة، أدركت الشرطة أنها أمام قاتل متسلسل، فقد كان هناك
خمس ضحايا آخرين قبله.
عُرف هذا القاتل باسم "ابن سام"، القاتل الذي أرعب مدينة نيويورك في السبعينيات.
بلغ الرعب بالناس حدًا جعلهم يتخوفون من الخروج من منازلهم، حتى أن الفتيات بتن
يقصصن شعرهن ويصبغنه بألوان مختلفة كي لا يكنّ هدفًا له.
يُعتبر "ابن سام" واحدًا من أشهر القتلة المتسلسلين في تاريخ أمريكا، وقد أُنتجت
عنه أفلام درامية ووثائقية، وظهر في مسلسلات معروفة. كان "ابن سام" محبًا للشهرة،
لذا كان يرسل رسائل للصحفيين والشرطة، يتفاخر فيها بجرائمه، ويحاول تضليلهم
والتلاعب بهم. أُلقي القبض على هذا القاتل بطريقة غريبة، بسبب مخالفة مرورية، لكن
كيف حدث ذلك؟ هذا ما سنعرفه في القصة التي تنتظركم فيها أحداث وأشياء مثيرة جدًا.
أحداث قصتنا تتحدث عن هذا القاتل المتسلسل الذي يُدعى ديفيد بيركويتز، والذي عُرف
بلقب "ابن سام". وُلد ديفيد في الأول من يونيو عام 1953 في مدينة نيويورك، وكان
نتاج علاقة غير شرعية بين أمه البيولوجية، التي كانت تُدعى بيتي، ورجل أعمال
متزوج. لم يرغب الأب في أي علاقة تربطه بهما، وأخبر الأم أنه إذا أرادت تربية
الطفل، فعليها فعل ذلك بمفردها. كانت بيتي في وضع صعب، خاصةً من الناحية المادية
والمعيشية، فأدركت أنها لن تستطيع تربيته، لذا عرضته للتبني.
تبنّى ديفيد زوجان لم يرزقا بأطفال، وكانا العائلة المثالية لاستقبال طفل صغير
محتاج إلى منزل. لكن عندما بلغ ديفيد السابعة من عمره، زل لسان والده بالخطأ
وتحدث عن موضوع التبني. منذ تلك اللحظة، عرف ديفيد أنه ليس ابنهما الحقيقي، وبدأ
هذا الأمر يُسبب له مشاكل نفسية. وفوق ذلك، في تلك الفترة، تعرض لحادث دهس
بالسيارة، مما تسبب له بإصابة في الرأس. لا يزال غير معروف ما إذا كان لهذا
الحادث تأثير في تكوين شخصيته المريضة التي سنراها لاحقًا.
بدأ ديفيد ينعزل أكثر، وصار يجد صعوبة في تكوين صداقات والاختلاط بزملاء المدرسة
بشكل طبيعي، حتى أن والديه بدآ في عرضه على أطباء نفسيين. كانت أمه حنونة عليه
جدًا وتحبه، أما والده فكان على العكس، بعيدًا عنه إلى حد كبير، وحتى كان يعتبر
تبنيه خطأ. لم يكن يقول هذا الكلام في وجهه، لكن أفعاله كانت تدل عليه إلى حد
كبير. منذ طفولته، بدأت تتجمع على هذا الولد مشاكل نفسية كثيرة. والأسوأ حدث
عندما بلغ الرابعة عشرة من عمره، حينها قرر ترك الجيش.
عاد ديفيد إلى مدينة نيويورك، لكن هذه المرة عاش بمفرده، فقد قطع علاقته بوالده
وتركه. كان طموحه في البداية أن يصبح رجل إطفاء، لكن الظروف لم تسمح له بذلك،
واضطر إلى قبول وظيفة حارس أمن براتب متواضع جدًا. كانت معظم مناوباته ليلية،
فكان دائمًا ما يجلس ويفكر مع نفسه. كان يشعر بأنه شخص غريب ووحيد، ويعرف أن
الناس لا يتقبلونه، وكان هذا الأمر يؤذيه من الداخل. كان يرى مثلًا شخصًا يمر في
الشارع مع زوجته أو حبيبته، ويرى السعادة بادية عليهما، فتبدأ أحقاده على الناس
والعالم في الزيادة. ومن هنا، بدأت أفكاره تأخذ منحنيات خطيرة.
حاول ديفيد لاحقًا التواصل مع أمه الحقيقية، بيتي، التي أعطته للتبني. كان لا
يزال يحاول التمسك بشيء قد يعيده إنسانًا طبيعيًا، لأنه أحس بنفسه وهو يغرق في
الظلام، وشعر بأنه بدأ يصل إلى مستويات لم يصل إليها من قبل في حياته. تمكن ديفيد
من الوصول إلى أمه الحقيقية بيتي، التي فرحت عندما التقيا، وقضيا وقتًا في
الحديث. بدأت تتكون بينهما علاقة جيدة، وصارت هناك زيارات متكررة بينهما. بدأ
ديفيد مرة أخرى يشعر بحب وحنان الأم، لكن هذه السعادة لم تستمر.
اكتشف ديفيد أن لأمه أخت غير شقيقة، وهنا عاد التفكير إليه: "أنا أعطتني للتبني،
أما أختي هذه، فقد ربتها وكبرتها وأحبتها". بدأت مشاعر الكراهية تعود إليه مرة
أخرى، وأحس بأنه الطفل المهجور الذي حتى أمه لا تريده. مرة أخرى، قطع التواصل مع
أمه، وعاد إلى عزلته وظلامه وأفكاره الحاقدة. يقول الكثير من المحللين النفسيين
أن في ذلك الوقت بدأت تتكون عنده عقدة من النساء بسبب أمه. رجع لحبه القديم،
النار، التي كانت واحدة من الأشياء التي يشعر أنها تفرغ غضبه ومشاعره السلبية.
تخيلوا، على مدى السنوات الثلاث التالية، أشعل ديفيد أكثر من 1500 حريق في مناطق
مختلفة في نيويورك، معظمها كانت حرائق صغيرة لم تؤد إلى وفيات، لكنه كان يسجلها
كلها ويكتبها في مذكراته. ثم بدأ ينجذب إلى الطوائف الشيطانية، عبدة الشيطان
والناس المجانين، وبدأ يقرأ كتبهم ويتبنى أفكارهم، مما دفعه إلى الظلام أكثر
فأكثر. قضى ديفيد كامل شهر نوفمبر عام 1975 في عزل نفسه عن العالم، حتى أنه وضع
بطانيات على النوافذ وثبتها بالمسامير حتى لا تدخل أشعة الشمس أبدًا، وعاش في
ظلام وعزلة تامة طوال ذلك الشهر.
بدأ بعدها يشخبط ويرسم ويكتب كتابات غريبة على الجدران، كان يرسم رسومًا شيطانية،
ويكتب عن الأصوات التي يسمعها في رأسه، وكان يقول إن هذه الأصوات شيطانية وتأمره
بالقتل. في 24 ديسمبر 1975، انتقل إلى شقة جديدة في منطقة جديدة. هناك كان لديه
جار اسمه سام، رجل مسن في الستينيات من عمره. كان لدى سام كلب، وكان هذا الكلب
دائم النباح، مما كان يؤذي ديفيد كل يوم وكل ليلة. ثم ادعى ديفيد أن الكلب ملبوس
بشيطان، وأن النباح هو أمر من هذا الشيطان بالقتل.
ذات يوم، أحس ديفيد أنه لم يعد قادرًا على تحمل الكلب ونباحه، لدرجة أنه أخذ
قنبلة مولوتوف ورماها على حديقة بيت جاره. لكن المولوتوف لم تصب الكلب. قام الجار
سام بإبلاغ الشرطة، التي جاءت وفحصت المكان، لكنها لم تعرف من الذي رمى القنبلة.
نجا الكلب، واستمر في النباح في الأيام التالية، واعتبر ديفيد هذا علامة على أنه
يجب عليه أن يكمل جرائم القتل، لأن الشيطان الذي داخل الكلب يقول له: "اقتل وإلا
لن أتركك في حالك".
بما أن السكين لم تنفع معه في محاولات القتل الأولى، قرر ديفيد أن يحصل على مسدس
من عيار 44. وفي يوم الخميس الموافق 29 يوليو 1976، قرر أن يرتكب أول جريمة
بالمسدس. خرج بسيارته وبدأ يتجول في الشوارع بحثًا عن ضحيته. في ذلك الوقت، كانت
هناك فتاتان، الأولى اسمها دونا وعمرها 18 سنة، والثانية اسمها جودي وعمرها 19
سنة، جالستان داخل سيارتهما الواقفة على جانب الطريق. بعد أن قضين سهرتهما، أوصلت
جودي صديقتها دونا بالقرب من شقتها، وتوقفتا قليلًا قبل أن تودعا بعضهما.
فجأة، اقترب شخص غريب من نافذة السيارة، وأخرج مسدسًا، وبدأ في إطلاق النار
عليهما. أطلق ديفيد عليهما خمس طلقات، ثم هرب على الفور. أصيبت دونا، التي كانت
تبلغ من العمر 18 عامًا، في رقبتها بإصابة قاتلة، وتوفيت على الفور. أما صديقتها
جودي، فقد أصيبت فقط في الفخذ ونجت من الموت. وصل المحققون وفحصوا مسرح الجريمة،
واكتشفوا من الرصاصة أن سلاح الجريمة كان مسدسًا من عيار 44، وهو سلاح نادر.
يقول ديفيد إنه عندما ترك مسرح الجريمة، أخذ يغني في سيارته وهو عائد إلى المنزل،
وكان سعيدًا، وأحس بشعور تفوق عندما انتزع حياة إنسان، خاصةً إنسان سعيد في
حياته، على عكسه هو. أحس بأنه بيده يقدر أن يتحكم بسعادة وتعاسة الناس، وكأنه في
مستوى أعلى منهم. لم تتمكن الشرطة من تحديد سبب الجريمة، واعتبرتها مجرد جريمة
عصابات عشوائية، لأن الجرائم كانت منتشرة بشكل كبير في نيويورك في السبعينيات،
وكانت معدلات الجريمة فيها تعتبر الأعلى في أمريكا كلها.
أزعج هذا الأمر ديفيد، عندما فتح الجرائد في صباح اليوم التالي، ولم يرَ جريمته
مكتوبة بالعناوين العريضة في أهم الأخبار. أحس بأن جريمته بلا قيمة، وبأن مجهوده
ذهب هباءً. كان يريد أن تتصدر جريمته الأخبار وتهز المدينة، لكن في النهاية، ظلت
جريمة واحدة من بين جرائم كثيرة تحدث في المدينة. قال ديفيد في اعترافاته لاحقًا:
"نزلت إلى المول الكبير في مقاطعة ويستشستر، ولم يهتم بي أحد ولم يتعرف عليّ"،
كان يتحدث وكأنه كان من المفترض أن يكون شخصًا مشهورًا والناس تعرفه، وكان
مريضًا. وقال: "تمنيت لو كان عندي رشاش وفتحت النار عليهم جميعًا حتى يعرفوا من
أنا".
لكي يحصل ديفيد على الاهتمام الذي يتمناه، عاد لارتكاب الجرائم مرة أخرى. الجريمة
التالية كانت بتاريخ 23 أكتوبر 1976. خرج بسيارته، وبدأ يبحث عن ضحيته في
الشوارع، وذهب إلى شارع معروف في نيويورك باسم "شارع العشاق"، وكأن العشاق هم
أسعد الناس، وهو يريد أن يفسد هذه السعادة. كان هناك شاب جالس في سيارته مع
حبيبته، وكان هذا الشاب اسمه كارل دينيرو، وكان شعره طويل. يبدو أن ديفيد استهدف
هذا الشاب بسبب شعره، إضافة إلى عقدته من النساء بسبب أمه.
لحق ديفيد بسيارة كارل وحبيبته، وظل وراءهما حتى توقفا على جانب الطريق، ثم توقف
خلفهما. نزل من سيارته ومشى بهدوء، ومثل جريمته الأولى، وصل إلى النافذة، وأخرج
مسدسه فجأة وبدأ في إطلاق النار عليهما. أول رصاصة كسرت الزجاج، وعلى ما يبدو أن
إحدى الرصاصات أصابت كارل في رأسه. تمكنت حبيبته من النزول من السيارة ولم تصب
بأي أذى. أطلق ديفيد عدة رصاصات أخرى، ثم هرب بسرعة. عادت حبيبة كارل إلى السيارة
مرة أخرى، وقالت إنه كان ينزف ولم يكن يتحرك، ولم تكن تعرف هل هو ميت أم مغمى
عليه. ساقته مباشرة إلى أقرب مستشفى، ونجا كارل، مع أنه أصيب برصاصة في الرأس.
بعد شهر من الحادث، وبالتحديد بتاريخ 27 نوفمبر 1976، خرج ديفيد مرة أخرى بحثًا
عن ضحية جديدة. وجد فتاتين جالستين على درج أحد المنازل. كان اسم الفتاتين دونا،
وتتراوح أعمارهما بين 16 و 18 سنة. رفع عليهما المسدس، وفتح النار عليهما، لكن
مرة أخرى، نجت الاثنتان، لكن إحداهما، واسمها جوان، أصيبت بالشلل ولم تعد قادرة
على المشي. هنا بدأ يستغرب الناس كيف أن معظم ضحايا هذا القاتل ينجون حتى الآن.
حاول ديفيد قتل ثمانية أشخاص، لكنه لم يقتل منهم إلا شخصًا واحدًا، مع أنه كان
يطلق النار عليهم من مسافات قريبة.
المرة الثانية التي يقتل فيها ستأتي بعد فترة قصيرة، بالتحديد بتاريخ 30 يناير
1977. في تلك الليلة، كانت هناك فتاة تبلغ من العمر 26 عامًا، اسمها كريستين،
ذاهبة مع خطيبها لمشاهدة فيلم في السينما. بعد انتهاء الفيلم، خرجا وركبا
سيارتهما. في الطريق، شاهدهما ديفيد، فلحقهما بسيارته، حتى توقفا على جانب
الطريق. ومثل الضحايا السابقين، توقف ديفيد خلفهما، ونزل من سيارته، ومشى بهدوء
حتى وصل إلى النافذة، ثم أخرج مسدسه وفتح النار عليهما. هذه المرة، توفيت كريستين
على الفور، بعد أن أصابتها الرصاصة في الرأس والرقبة. تمكن خطيبها من النجاة ولم
يصب بأي رصاصة.
هذا دليل آخر على أن ديفيد كان يركز على الفتيات أكثر. كانت كريستين هي الضحية
الثانية التي تمكن ديفيد من قتلها بالفعل. ومن هذه الجريمة، بدأت الشرطة ترى أوجه
تشابه بينها وبين الحوادث السابقة، خاصة بسبب نوع السلاح. وكما ذكرنا من قبل، كان
المسدس الذي يستخدمه ديفيد مسدسًا من عيار 44، وهو سلاح نادر. مع أن الحوادث أو
الجرائم كانت كلها عشوائية ولا يوجد أي اتصال بينها، إلا أن نوع السلاح بدأ يربط
بينها. من هنا، بدأت الشرطة تطلق على ديفيد لقب "قاتل عيار 44"، نسبة إلى نوع
المسدس الذي يستخدمه.
لاحظت الشرطة أن هناك نمطًا معينًا للضحايا، فمعظمهم كانوا من النساء، وكان شعرهن
طويلًا وداكنًا. مرة أخرى، تأكد ذلك في الضحية التالية، التي كانت بتاريخ ألمانيا
مارس 1977. في ذلك اليوم، كانت هذه الطالبة، التي اسمها فيرجينيا، عائدة إلى
المنزل من جامعتها، وكانت تحمل كتبها معها. شاهدها ديفيد وهي تمشي في الشارع
بمفردها، وتأكد من عدم وجود أحد قريب منها في المنطقة، فذهب إليها ووقف أمامها
ورفع المسدس عليها. فيرجينيا رفعت كتبها على وجهها محاولة حماية نفسها، لكن
المجرم أطلق عليها النار من خلال الكتب وأصابها في الرأس وقتلها.
الشيء الغريب في هذه الجريمة هو وقت ارتكابها. كانت الساعة السابعة والنصف مساءً،
وكان الليل قد بدأ للتو. الجرائم السابقة لم يكن ينفذها إلا في منتصف الليل أو
ساعات الفجر، وهذه هي المرة الأولى التي يتجرأ فيها وينفذ جريمة في هذا الوقت
المبكر، بل وفي وسط الشارع، ولو أنه كان فارغًا. هذا يعني أن ثقته بنفسه بدأت
تزداد، وأصبح يشعر بأنه محصن، وأنه لا يمكن لأحد أن يمسكه. عندما فحصت الشرطة
الرصاص من الجريمة الأخيرة، وتأكدت من أن الرصاص من عيار 44 مثل الجرائم السابقة،
تأكدوا أنهم أمام قاتل متسلسل.
بعد يومين من هذه الجريمة، عقد قائد الشرطة في مدينة نيويورك مؤتمرًا صحفيًا،
وأعلن أنهم حاليًا يلاحقون قاتلًا متسلسلًا، وأن هذا القاتل واضح أنه يقتل بشكل
عشوائي، لكنه يستهدف النساء على الأغلب. وهكذا، حصل ديفيد على ما كان يتمناه، فقد
حصل على الاهتمام الذي كان يريده، وصار اسمه يتصدر العناوين والصحف، وصار معروفًا
عند الكل باسم "قاتل عيار 44".
بلغ الرعب بالناس حدًا كبيرًا، وصاروا يتخوفون من الخروج من منازلهم، وحتى أنهم
كانوا يمنعون أولادهم من الخروج إلا إلى المدرسة أو الكلية، وفي الليل كان
ممنوعًا الخروج سواء كنت كبيرًا أو صغيرًا. لاحظ الناس أيضًا أن هناك نمطًا
معينًا للضحايا، فالقاتل كان يستهدف عادة فتيات شابات، شعرهن طويل وداكن أو بني.
تخيلوا أن الفتيات في المدينة صرن يتوافدن على صالونات الحلاقة لقص شعرهن، أو
صبغه باللون الأشقر، أو حتى ارتداء الشعر المستعار. كان الوضع مجنونًا في
المدينة، ورعب وخوف في كل مكان. كل هذا الرعب، مع أن القاتل لم يقتل إلا ثلاثة
أشخاص حتى الآن، لكن عشوائية جرائمه وتكرارها أدخلت الناس في هذه الحالة، وكل
واحد كان خائفًا من أن يكون الضحية التالية.
هذا الأمر جعل شرطة نيويورك تأخذ قضيته على أعلى مستوى من الجدية. شكلوا فريقًا
من أفضل الضباط والمحققين، أطلقوا عليه اسم "فريق أوميغا"، مهمته فقط مطاردة
"قاتل عيار 44". قام ديفيد بضربته التالية بتاريخ 17 أبريل 1977، والضحية هذه
المرة كانا خطيبين، اسميهما الكسندر وفالنتينا. كان عمر الكسندر 20 سنة، وعمر
فالنتينا 18 سنة. ومثل الضحايا السابقين، كانا جالسين في سيارتهما على جانب
الطريق، الساعة الثالثة فجرًا، وأنتم تعرفون أن هناك قاتل يستهدف بهذه الطريقة.
وضع ديفيد يده على النافذة، وأخرج مسدسه، وأطلق النار عليهما من الزجاج الأمامي.
كانت النتيجة أن الضحيتين توفيا. يدل ارتفاع نسبة موت الضحايا عن المحاولات
الأولى على أن ديفيد صار أكثر هدوءًا وثقة بنفسه وهو يرتكب الجريمة، وأصبح يأخذ
راحته ويصوب جيدًا، ولا يتوتر. هذا الشيء مخيف أكثر. هذه المرة، تجرأ ديفيد أكثر
وترك رسالة للشرطة في مسرح الجريمة، رسالة وجدوها بجانب السيارة. في هذه الرسالة
كتب: "أنا وحش، أنا ابن سام، أنا غريب عنكم، أنا مبرمج على موجة مختلفة عن
الجميع، مبرمج على القتل. لكن لكي توقفوني، يجب أن تقتلوني. أنا وحش مفترس، أحب
الصيد، أجوب الشوارع وأبحث عن ضحيتي، أحب اللحم الشهي، نساء نيويورك هن الأجمل".
وقع ديفيد الرسالة باسم "ابن سام"، وهذا هو الاسم الذي كان يستخدمه لنفسه.
وسريعًا ما تغير اسمه حتى في الصحف والجرائد من "قاتل عيار 44" إلى "ابن سام"،
وهذا هو الاسم الذي اشتهر به. في ذلك الوقت، لم يكن أحد يعرف معنى هذا الاسم أو
أصله، لكنهم سيعرفون لاحقًا أن ديفيد أخذه من جاره العجوز صاحب الكلب، والذي كان
اسمه سام. سماه "ابن سام" نسبة إلى جاره هذا، لأنه كان يؤمن بأن كلب جاره متلبس
بشيطان، وأن نباحه المستمر هو أمر من الشيطان بالقتل. بطريقة ما، ربط الموضوع
بجاره وسمى نفسه "ابن سام".
كان ديفيد يعاني من الكلب ونباحه حتى الآن، وكان يعتبر نفسه يعيش في عذاب. كان
يرسل رسائل تهديد لجاره بسبب الكلب، لكن هذه الرسائل كانت تصل إلى الجار باسم
مجهول، ولم يكن يرسلها باسمه. وكما ذكرنا من قبل، حاول في إحدى المرات قتل الكلب
بقنبلة مولوتوف رماها على حديقة جاره، ثم عاد مرة أخرى وحاول قتل الكلب بتاريخ 27
أبريل 1977، وهذه المرة كانت المحاولة ببندقية. صوب على الكلب من نافذة الغرفة
وأطلق عليه النار، وجاء المحققون للتحقيق في الموضوع مرة أخرى، لكنهم لم يتمكنوا
من معرفة مصدر الطلقة.
بعد شهر تقريبًا، كتب ديفيد رسالة جديدة، لكن هذه المرة لصحفي اسمه جيمي، وكان من
أشهر الصحفيين في نيويورك كلها، فإذا كان يريد قصة تُكتب وتشتهر، فجيمي هو الصحفي
الأنسب له. كتب ديفيد للصحفي جيمي رسالة طويلة، تحدث فيها عن كل جرائمه، وذكر
بالذات دونا، الضحية الأولى، وكتب أنه مرت سنة الآن على جريمتها، وكتب أنها كانت
فتاة لطيفة، وأنه يجب أن يسووا لها ذكرى. هذا الشيء يستفز أهلها وعائلتها لأبعد
درجة، فأنت الذي قتلتها، كيف تتكلم بهذه الطريقة كأنك متعاطف! كتب ديفيد في هذه
الرسالة أيضًا أنه يشد على أيدي الشرطة ويشجعهم في جهودهم للقبض عليه، ويتمنى لهم
الحظ والتوفيق، وكتب أنهم عندما يمسكونه، سيشتري لكل واحد منهم حذاءً جديدًا.
كانت هذه الرسالة غريبة وتدل على أن هذا الشخص غير مستقر عقليًا أبدًا.
صنعت هذه الرسالة زخمًا أكبر حول القضية، وأصبح الناس مرعوبين أكثر بسببها. بعد
انتشار هذه الرسالة في الصحف، بدأت الشرطة تتلقى يوميًا أكثر من 250 اتصالًا من
الناس يبلغون عن أشخاص يشكون فيهم، سواء كانوا جيرانهم أو أحباءهم أو حتى أزواجهم
في بعض الأحيان. كانت هناك حالة من الهستيريا في المدينة. كانت الشرطة والمحققون
يعملون بكل جهودهم، وكل شرطة نيويورك كانت تعمل على هذه القضية، وهي بالمناسبة
تعتبر أكبر مطاردة لشخص نفذتها شرطة نيويورك في تاريخها كله. كانوا يرسمون رسومات
تقريبية لابن سام من خلال وصف الضحايا الذين نجوا منه، لكن الرسومات كانت بعيدة
عن الدقة، فمعظم الضحايا لم تكن لديهم فرصة لرؤية وجهه بشكل واضح.
في إحدى محاولات الشرطة، قاموا بوضع دمية في سيارة، وأوقفوا السيارة على جانب
الطريق، وكانوا يريدون استخدامها كطعم لاستدراج ابن سام، لكن التحدي الأكبر
أمامهم كان أنهم بحاجة إلى الإمساك به بأسرع وقت ممكن، لأنهم كانوا يعرفون أنه
سيقتل مرة أخرى، وكان هناك ضغط كبير على الشرطة والمحققين. وكما توقعوا، بتاريخ
26 يونيو 1977، قام ابن سام بضربته الجديدة. كالعادة، كان ضحاياه حبيبين، اسميهما
جودي وسال. كانا جالسين في سيارتهما على جانب الطريق، ففاجأهما وهجم عليهما فجأة
وفتح عليهما النار، لكن هذه المرة نجا الاثنان، مع أن جودي أصيبت بثلاث رصاصات،
وسال أصيب برصاصة، لكنهما نجيا.
بعد شهر، ضرب ابن سام ضربة جديدة بتاريخ 31 يوليو 1977. كالعادة، كان الضحايا
حبيبين، اسم الفتاة ستيسي، واسم الشاب روبرت، وكلاهما يبلغ من العمر 20 عامًا.
كان الهجوم هذه المرة أكثر رعبًا في مدينة نيويورك من الهجمات السابقة، لأن ستيسي
كان شعرها أشقر. هذه الطلعة كانت أول مرة تخرج فيها ستيسي وروبرت معًا، وكان
أهلهم خائفين عليهما من "ابن سام"، وكانوا يقولون لهما: "كيف تخرجان وهناك قاتل
متسلسل يقتل الأزواج؟" وكان جواب ستيسي وروبرت على أهليهما: "لا تخافوا، هذا
القاتل لا يستهدف الفتيات اللواتي شعرهن أشقر". لكن هذه المرة كانت مختلفة، ولأول
مرة استهدف فتاة شعرها أشقر.
من ناحية الطريقة، كانت نفس الطريقة، مشى إلى سيارتهما، وفاجأهما، وفتح عليهما
النار. كانت النتيجة أن ستيسي ماتت، أما حبيبها روبرت فقد نجا بحياته، لكنه أصيب
في عينيه وأصبح أعمى. أدت هذه الجريمة تحديدًا إلى حالة من الرعب الهستيري في كل
المدينة. كتبت صحيفة "نيويورك بوست" في الصفحة الأولى بعنوان عريض: "لا أحد آمن
من ابن سام". حتى الناس الذين كانوا يشعرون بقليل من الأمان، تحطم هذا الشيء
لديهم، وأصبح كل شخص في مدينة نيويورك خائفًا، وأن أي أحد يمكن أن يكون الضحية
التالية.
عجيب كيف لشخص واحد أن يرعب مدينة كاملة! لنستمع إلى أحد الصحفيين الذين عاشوا
هذه الأحداث في ذلك الوقت، حيث قال: "لا يمكنك أن تبالغ في وصفك لمدى الخوف الذي
كان مستحوذًا على المدينة. قد يقول بعضكم إنه لم يكن الناس مرعوبين لهذه الدرجة،
لكن الناس كانوا حقًا في قمة الرعب، وكانت المدينة كلها مرعوبة، وكانوا يعيشون
كوابيس، حتى لو كانت الضحايا معدودة على الأصابع". هذا النوع من القتلة
المتسلسلين العشوائيين من أخطر أنواع القتلة التي يرعب الناس منها. أما ديفيد،
فكان مستمتعًا وسعيدًا، وكان في قمة سعادته بالسمعة التي وصل إليها، وكل أمنياته
بالشهرة كانت تتحقق، وكان يستمتع بكل جريمة يرتكبها أكثر من التي قبلها.
أما الشرطة، فكانت تكثف جهودها لأقصى درجة ممكنة، وكان هناك 75 محققًا يعملون على
القضية، ومعهم 225 رجل شرطة، أي ما مجموعه 300 ضابط يلاحقون شخصًا واحدًا. كان كل
تركيزهم عليه فقط. كان المحققون يبحثون في الجريمة الأخيرة، جريمة ستيسي، الفتاة
الشقراء. وبعد عدة أيام من التحقيقات والبحث، حصلوا على شاهد مهم، امرأة تبلغ من
العمر 49 عامًا، اسمها سيسيليا. في ليلة الجريمة، كانت سيسيليا تمشي في شارع قريب
من المكان الذي وقعت فيه الجريمة، وقبل دقائق فقط من الجريمة، شاهدت شخصًا
مريبًا، وكان هذا الشخص كأنه يحمل شيئًا في يده، شيئًا مخفيًا تحت ملابسه. تقول
سيسيليا إنها أحست بالخوف عندما رأته، وقررت على الفور أن تعكس اتجاهها وتبتعد
عنه، وعادت إلى شقتها، وبعدها بدقائق سمعت صوت الطلق. تقول سيسيليا إنها بمجرد ما
سمعت عن الجريمة في اليوم التالي، شكت في ذلك الرجل الذي رأته في الشارع.
لكن كيف يمكن أن يعرفوا هوية هذا الرجل في النهاية، فهو مجرد رجل عشوائي مر في
الشارع؟ هنا تأتي المعلومة المهمة الثانية، حيث قالت سيسيليا للمحققين إنها شاهدت
رجل شرطة يعطي مخالفة مرورية لسيارة واقفة بجانب مضخة حريق. أي سيارة تقف بجانب
مضخة حريق تعتبر مخالفة على الفور، لأنك تأخذ مكان سيارة الإطفاء إذا حدث حريق أو
أي شيء لا قدر الله. تقول سيسيليا إنها تشك في أن السيارة التي أُعطيت المخالفة
هي سيارة ذلك الشخص الغريب، لأنه كان قادمًا من نفس اتجاه السيارة، وكأنه توقف
للتو ونزل منها.
ذهب المحققون وتحروا في الموضوع، لكنهم لم يجدوا أي سجل يدل على أن هناك مخالفة
قد أُعطيت في هذه المنطقة. لكن سيسيليا أصرت وقالت إنها متأكدة من أن هناك شرطي
خالف سيارة كانت واقفة عند مضخات الحريق. عاد المحققون وشيكوا السجلات مرة أخرى،
ونفس الشيء، لم تكن هناك أي مخالفات. لكن سيسيليا ظلت مصرة بقوة، وظلت تؤكد
عليهم. ذهب أحد المحققين بنفسه إلى ذلك القسم، وبحث عن شرطي الدورية الذي كان
مسؤولًا عن المنطقة في تلك الليلة، وأخيرًا وجده.
قال الشرطي إنه فعلًا كانت هناك مخالفة، لكن في تلك الليلة نسيها في الخزنة
الخاصة به، ولم يسجلها في نفس الليلة، ووضعها في سجل اليوم التالي. هنا فهم
المحققون القصة، وبالفعل وجدوا أنه كانت هناك أربع مخالفات قد حُررت في تلك
الليلة، واحدة من هذه المخالفات كانت باسم ديفيد بيركويتز. تخيلوا، سبحان الله،
لو أن هذه المرأة لم تصر على موضوع المخالفة، وأنها رأتها وأخبرت المحققين، لربما
لم يتمكنوا من الإمساك به.
أصدرت الشرطة أمرًا بالقبض على ديفيد، وفي مساء يوم 10 أغسطس 1977، ذهب المحققون
إلى منزل ديفيد، وكانوا على يقين بأنهم سيجدونه هناك. كانت سيارة ديفيد مركونة
بالقرب من منزله. نظر المحققون من زجاج السيارة، ولاحظوا وجود بندقية آلية شبه
مغطاة في المقعد الخلفي. فتحوا باب السيارة بالقوة، ودخلوا يفتشونها، ووجدوا
بداخلها رسالة بنفس خط "ابن سام"، رسالة كانت موجهة للشرطة، ومكتوب فيها باختصار:
"لن تقدروا على إيقافي، سأجننكم". لاحظوا المفارقة، أنهم كانوا يقرؤون الرسالة
قبل حتى أن يتمكن ديفيد من إرسالها لهم.
هنا تأكدت الشرطة من أن ديفيد هو "ابن سام". أغلقوا السيارة، وظلوا محيطين بها
وهم متخفين، وظلوا ينتظرونه حتى ينزل. انتظروا حوالي أربع ساعات، وأخيرًا نزل
ديفيد من شقته وركب سيارته، وقبل أن يتمكن من تشغيلها، ركض عليه جميع المحققين
والشرطة الذين كانوا موجودين لمطاردته. كان قائد فريق الشرطة يركض نحوه وهو مصوب
مسدسه عليه، ويصرخ في وجهه: "الشرطة، إياك أن تقترب من مسدسك!". يقول القائد إن
ديفيد لف رأسه ببطء نحوه وهو يبتسم، وقال له: "أخيرًا أمسكتموني، ما الذي
أخركم؟". كان هادئًا وواثقًا من نفسه، وكأنه كان يعرف أنه سيتم الإمساك به عاجلًا
أم آجلًا، وكان مستعدًا.
بعد أن اعتقلوه، ركبوه في السيارة ليأخذوه إلى قسم الشرطة الرئيسي في مدينة
نيويورك. كان الصحفيون على علم بالأمر، وكانوا جاهزين بكاميراتهم وينتظرونه. في
السيارة، وفي الطريق، تكلم ديفيد مع الشرطة، ولا يزال مبتسمًا، وقال لهم: "يا
شباب، الصحفيون سيكونون منتظرين عندما أصل، ممكن تمشطوا لي شعري؟". كان يطلب هذا
بكل وقاحة. وصل "ابن سام" إلى القسم في موكب للشرطة، وبالفعل كان هناك حشد كبير
من الناس والصحفيين ينتظرونه، لكي يروا الرجل الذي أرعب نيويورك كلها طوال السنة
الماضية. كان لا يزال مبتسمًا وهو يمشي، وكأنه كان يجري تكريمه، وفخورًا بإنجازه.
أجرى المحققون والمسؤولون مؤتمرًا صحفيًا كبيرًا، استعرضوا فيه سلاحه والأدلة
التي حصلوا عليها ضده، لكي يؤكدوا للناس أن "ابن سام" قد أُمسك به، وأن كابوس
مدينة نيويورك قد انتهى. ذهبت الشرطة لتفتيش شقته، والأشياء التي رأوها هناك كانت
جنونية. أول شيء رأوه هو قصاصات الجرائد التي كان يجمعها عن جرائمه، حتى أنه كان
يجمع صورًا للضحايا ويحتفظ بها، كان يقص الصور من الجرائد ويعلقها عنده. إضافة
إلى ذلك، كانت هناك كتابات ورسومات شيطانية على الجدران، ورموز لعبدة الشيطان.
كان هناك أيضًا شيء مخيف أكثر، فقد وجدوا فتحات أو ثقوبًا في الجدران. يقول ديفيد
إنه كان يسمع أصوات الشياطين تأتي من هذه الثقوب، وكانت هذه الأصوات تأمره
بالقتل، وكان أحيانًا يحاول أن يضرب الجدار لكي يوقف هذه الأصوات، لكنه يقول إن
الأصوات ظلت مستمرة دائمًا. كانت هناك ملاحظات مكتوبة على الجدار بجانب كل ثقب من
هذه الثقوب، وكان يكتب كلام الشياطين التي يسمعها. إحدى هذه الملاحظات التي كانت
مكتوبة على ثقب من الثقوب كان مكتوبًا فيها: "أهلًا، اسمي السيد ويليام، وأنا
أعيش في هذا الثقب. لدي عدة أولاد، وأنا أقوم بتربيتهم لكي يصبحوا قتلة. أنا
متحمس لرؤيتهم يكبرون". هذه الملاحظة التي كان يكتبها ديفيد بجانب الثقب هي على
أساس الكلام الذي يسمعه قادمًا منها.
يقول المحقق الرئيسي في القضية: "هذا أكثر شيء مر في حياتي كضابط يسبب لي قشعريرة
كلما تذكرته". خلال تحقيقات الشرطة، اعترف ديفيد بكل جرائمه، وبدأ يتحدث عن
الشياطين التي يسمعها من الجدران، وتحدث عن كلب جاره الذي كان دائم النباح، وأن
نباحه كان عبارة عن شيطان يأمره بالقتل، وفصل في كل هذه الأمور الغريبة. هناك بعض
الناس والصحفيين الذين لديهم نظريات مؤامرة بأن "ابن سام" لم يكن شخصًا واحدًا،
وأن ديفيد لم يكن يعمل بمفرده، وإنما كان جزءًا من طائفة شيطانية، وأن هذه
الجرائم كان ينفذها أكثر من شخص من عبدة الشيطان هؤلاء.
هناك صحفي اسمه ميوريتي، أفنى حياته وهو يبحث في هذه القضية وفي هذه النظريات،
حرفيًا أفنى حياته من وقت ظهور هذه القضية حتى مات وهو يبحث فيها، وكان يؤمن
بموضوع الطائفة الشيطانية هذه، وأنه لم يكن يعمل بمفرده. كتب هذا الصحفي كتابًا
كاملًا عن الموضوع، وسماه "The Ultimate Evil" أو "الشر المطلق". وحتى "نتفليكس"
قاموا بعمل سلسلة وثائقية كاملة مختصة بتحقيقاته في هذه القضية وفي نظريات
الطائفة الشيطانية. لكن بصراحة، لم أستطع إكمال السلسلة، لأن فيها كثيرًا من
الأشياء المخلوطة والنظريات، وكل حلقة مدتها ساعة كاملة وفيها ملل كثير. لكن
فعليًا، هذا الرجل أفنى حياته في هذا الموضوع، ودائمًا يقول إن المحققين لم
يحققوا في الأمر بما فيه الكفاية، وأنهم أغلقوا القضية بسرعة.
نعود إلى قصتنا، فقد تمت محاكمة ديفيد، وفي نهاية المحاكمة، حُكم عليه بستة أحكام
مؤبدة، عن كل ضحية من ضحاياه الستة. في بداية سنوات سجنه، كان عنيفًا جدًا، وكان
يدخل في مشاجرات عنيفة مع باقي السجناء، وحتى في إحدى المرات، قام أحد السجناء
بمهاجمته وجرحه جرحًا عميقًا في رقبته. العجيب أنه بعد عشر سنوات في السجن، بدأ
ديفيد في التحول تحولًا كاملًا، وأصبح مسيحيًا متدينًا. القاتل المتسلسل الذي
أرعب نيويورك، أصبح متدينًا ومسالمًا، بل وأصبح يدعو وينصح السجناء الآخرين. أول
ما خطر في بالي هو أن هذا تمثيل ليحاول الحصول على فرصة للخروج من السجن، خاصة
وأن قانونيًا سيصبح مؤهلًا للحصول على إطلاق سراح مشروط في عام 2002. قلت ربما
يحاول أن يمثل شخصية الرجل الطيب المسالم استعدادًا لجلسة إطلاق السراح المشروط.
طبعًا، حتى لو كان مؤهلًا قانونيًا للحصول على إطلاق سراح مشروط، يظل هذا الأمر
مستحيلًا بنسبة 99%، فبالتأكيد سترفض لجنة التقييم مهما بدا مسالمًا ومتغيرًا
وطيبًا، ففي النهاية هو قاتل متسلسل، وليست هذه بلعبة.
لكن، عندما جاء موعد جلسة إطلاق السراح المشروط، كتب ديفيد بنفسه إلى اللجنة وطلب
منهم إلغاء الجلسة. كتب لهم في رسالته بكل صراحة: "أنا مؤمن بأني أستحق أن أبقى
في السجن طوال حياتي. وبمساعدة الرب، صرت متعايشًا مع وضعي وتقبلت عقوبتي".
وتخيلوا أن كل سنتين تعود له أهلية الحصول على جلسة إطلاق السراح المشروط، لكنه
لم يذهب إلى أي جلسة، ولم يسعَ للحصول على حريته. إلى اليوم، لا يزال "ابن سام"
موجودًا في السجن.
وهكذا نكون قد وصلنا إلى نهاية قصتنا. آمل أن تكونوا قد استمتعتم كالعادة. إذا أعجبتكم، فلا تنسوا التفاعل معنا.
وهذه أيضًا بعض القصص الممتعة التي يمكنكم قراءتها:
شكرًا لكم على المتابعة. أراكم في المقالة القادمة، ومع السلامة.