كيف نجحو في سرقة قرابة المليون دولار من شاحنة أموال دون ان يشعر بهم أي احد

 كانت هناك شاحنة نقل أموال مُحصنة، تبدو من الخارج عادية لتجنب لفت الانتباه، لكنها في الواقع مُدرعة ضد الرصاص وأي محاولات اقتحام. حرفيًا، كانت تحتاج إلى قنبلة لاختراقها. كانت الشاحنة متوقفة في مواقف أحد المراكز التجارية، وكان السائق ينتظر بداخلها بينما نزل شريكه إلى المركز التجاري لإنهاء بعض الأعمال. بعد دقائق، عاد الشريك ليجد أن الشاحنة اختفت مع السائق والمليون دولار الذي كان بداخلها. 

سرقوا مليون دولار من شاحنة الأموال

عندما وصل المحققون، صُدموا لأن أحدًا من الموجودين حول المكان لم ير أو يسمع أي شيء. إذا كان لصوص قد سرقوها، لكانوا استخدموا قنبلة أو قوة هائلة لاختراقها، وبالتأكيد كان سينتبه أحد الموجودين. كيف اختفت الشاحنة؟ هل كان للسائق دور في الموضوع؟ هل ابتكر اللصوص طريقة عبقرية للاستيلاء عليها بصمت تام؟ 

عادةً ما تكون شاحنات نقل الأموال مُدرعة للغاية، ويكون السائق والحراس مُسلحين. إحدى أكبر شركات نقل الأموال في أمريكا، "ويلز فارجو"، لديها أسطول من شاحنات وسيارات نقل الأموال بأشكال وأحجام مختلفة. تبدأ قصتنا في 28 نوفمبر عام 1994، أمام أحد المراكز التجارية في ولاية أريزونا. وصلت شاحنة فان صغيرة إلى مواقف المركز التجاري. كانت الشاحنة تبدو عادية، لكنها في الواقع كانت واحدة من شاحنات نقل الأموال التابعة لشركة "ويلز فارجو". كانت الشاحنة مُحصنة ومُدرعة جدًا، وتخفي تحت مظهرها الخارجي دروعًا مضادة للرصاص. كل شيء في الشاحنة، من هيكلها الخارجي إلى نوافذها الزجاجية، كان مضادًا للرصاص وغير قابل للاختراق. كانت الأبواب أيضًا مستحيلة الفتح من الخارج. كان شكل الشاحنة عاديًا من الخارج لتجنب لفت الانتباه، وكأنها مُتنكرة حتى لا يعرف أحد أنها شاحنة نقل أموال.

كان داخل الشاحنة شخصان: السائق، وكان مُسلحًا بمسدس، وشخص آخر يُدعى "جامع الأموال"، وكان أيضًا مُسلحًا بمسدس. كانت مهمة جامع الأموال هي النزول من الشاحنة عند كل متجر أو شركة لجمع النقود النقدية، ثم إعادتها إلى الشاحنة لنقلها إلى البنك. بعد أن نزل جامع الأموال من الشاحنة، ظل السائق بمفرده ينتظر. اتجه جامع الأموال إلى داخل المركز التجاري وذهب إلى مكتب القسم المالي لجمع النقود التي جمعتها جميع المحلات. ثم، يتم تسليم هذه النقود إلى جامع الأموال الذي يأخذها إلى الشاحنة. عاد جامع الأموال أدراجه إلى الشاحنة، لكن المفاجأة كانت أنه لم يجد أي أثر لها. بحث يمينًا ويسارًا، لكن الشاحنة المدرعة اختفت.

تواصل جامع الأموال مع الشرطة وأبلغهم بما حدث، واستجابوا على الفور. في الوقت نفسه، تم إبلاغ الإف بي آي لأن أي قضية تتعلق بشاحنات نقل الأموال تعتبر قضية فدرالية. وصل كل من الشرطة ومحققي الإف بي آي إلى مواقف المركز التجاري للتحقيق في الحادث. أول شخص قابلوه كان جامع الأموال، وبدأوا التحقيق معه. قال جامع الأموال إنه منذ لحظة خروجه من الشاحنة وحتى عودته إليها، لم يستغرق الأمر أكثر من خمس دقائق، وعندما عاد، لم يجد لا الشاحنة ولا السائق. وأضاف أن مجموع الأموال التي كانت داخل الشاحنة يتجاوز المليون دولار. مع الأخذ في الاعتبار أننا نتحدث عن عام 1994، فإن هذا المبلغ، مع التضخم، سيصل إلى ضعف القيمة في الوقت الحالي، أي حوالي مليوني دولار.

أجرى المحققون مقابلات مع الأشخاص الذين كانوا موجودين في المركز التجاري أو مواقفه أو حول المنطقة خلال تلك الفترة، لكن جميعهم قالوا إنهم لم يلاحظوا أي شيء. لم يحصل المحققون على أي شاهد يمكن أن يساعدهم في وصف ما حدث. كل من كانوا موجودين في مواقف المركز التجاري أو حوله قالوا إن الأمور كانت هادئة ولم يلاحظوا أي شيء غريب. هنا، استغرب المحققون، فهذه شاحنة مُدرعة، ومن المستحيل اختراقها دون تفجير أو قوة هائلة، وبالتأكيد كان هذا سيحدث ضجيجًا في المكان وكان سينتبه إليه أحد. ومع أن أبواب الشاحنة كانت مستحيلة الفتح من الخارج، فإنه لو تم فتحها بالقوة، سينطلق إنذار عالٍ جدًا يسمعه الجميع. إذا لم تستخدم قوة تفجيرية لاختراق الشاحنة، فكيف اختفت بهذه الطريقة؟

اعتقدوا أن الطريقة المنطقية الوحيدة لحدوث ذلك هي أن يكون للسائق دور في الموضوع، إما أنه سرق الشاحنة بنفسه، أو أنه تعاون مع عصابة أو أشخاص آخرين وسمح لهم بالدخول إلى الشاحنة، أو أنه تم تهديده وإجباره على فتحها. هذه كانت النتيجة المنطقية الوحيدة التي توصلوا إليها. السائق كان له دور في الموضوع. في العديد من قضايا سرقات شاحنات الأموال، يكون السائق شريكًا في العملية. لذلك، توجهت أنظار المحققين نحو السائق.

كان اسم السائق جون مُوكاش، وكان عمره 30 عامًا. أول ما فعله الإف بي آي هو البدء في البحث عن الشاحنة. انتشرت دوريات الشرطة حول المنطقة، وبدأ البحث الجوي باستخدام طائرات الهليكوبتر. تركز البحث على المركز التجاري الذي وقع فيه الحادث، وامتدت الدائرة حوله لعشرات الكيلومترات، مع التركيز على الأحياء والمناطق المجاورة. كان المحققون يعرفون أن الشخص أو الأشخاص المسؤولين عن سرقة الشاحنة سيتخلون عنها بأسرع وقت ممكن في أقرب مكان من المركز التجاري، وأنهم سينقلون الأموال إلى سيارة أخرى في مكان ليس بعيدًا عن المركز. هذا هو الأمر المنطقي. يجب أن يحاولوا التخلص من الشاحنة بأسرع وقت، لذا يجب أن تكون قريبة.

استمرت عملية البحث، وخلال هذه الفترة، بدأ المحققون بالتحري عن السائق جون مُوكاش. أول ما اكتشفوه هو أنه ليس لديه أي سوابق. تمكن الإف بي آي من استصدار مذكرة تسمح لهم بتفتيش شقته. وعندما وصلوا، طلبوا من مالكة الشقة التي كان يستأجرها منها فتح الباب. دخل المحققون الشقة وبدأوا بالبحث عن أي شيء قد يشير إلى أن السائق جون مُوكاش كان له علاقة بعملية سرقة الشاحنة، لكنهم لم يجدوا شيئًا. بالعكس، كانت الشقة مرتبة وشكلها طبيعي جدًا، ولا يوجد فيها أي شيء يدل على أن جون مُوكاش كان يستعد للهرب. لو كان مُخططًا لمثل هذه العملية، لكان جمع أغراضه المهمة على الأقل. كان سيكون هناك فوضى في الشقة أو أشياء ناقصة، لكن الشقة كان شكلها طبيعي ومرتب.

عندما سأل المحققون عن جون مُوكاش أكثر، وصلوا إلى أقاربه وبعض أصدقائه ومعارفه، وجميعهم شهدوا بأنه إنسان صادق وأمين ومحترم ويأخذ وظيفته بجدية. كل هذه الشهادات، بالإضافة إلى أنه لم يكن لديه أي سوابق أو سجل إجرامي، جعلت المحققين يستبعدونه من الشبهات مبدئيًا. لكن عاد السؤال المحير مرة أخرى: إذا كانت عصابة أو لصوص قد سرقوا الشاحنة، فكيف تمكنوا من الدخول إليها واختراق جميع وسائل الحماية دون أن ينتبه أو يسمع أحد من الموجودين عند المركز التجاري شيئًا؟

لم يجد المحققون وسيلة أخرى أمامهم سوى اللجوء إلى الإعلام وطلب المساعدة من عامة الناس على أمل أن يكون هناك من سمع أو رأى شيئًا مثيرًا للريبة. عقد الإف بي آي والشرطة المحلية مؤتمرًا صحفيًا أوضحوا فيه تفاصيل القضية وطلبوا من أي شخص لديه معلومات قد تساعدهم أن يتواصل معهم. تم أيضًا نشر صور وتفاصيل للشاحنة وسائقها المفقود جون مُوكاش، وأعلنوا عن جائزة بقيمة 60 ألف دولار لأي شخص يدلي بمعلومة تقود إلى حل القضية.

بعد ساعات، وصل بلاغ للشرطة من شخص يقول إنه رأى الشاحنة متوقفة في مواقف كنيسة. وقال إن الشاحنة بنفس المواصفات ورقم اللوحة التي أعلنت عنها الشرطة. وعندما وصلت الشرطة إلى مواقف الكنيسة، وجدوا الشاحنة المفقودة متوقفة في هذا المكان. وصل محققو الإف بي آي بعد ذلك بسرعة، وكانت الصدمة عندما ألقوا نظرة داخل الشاحنة ورأوا جثة شخص ملقاة على الأرضية. لم يتمكنوا في البداية من معرفة هوية الجثة لأن الشاحنة كانت قيد التشغيل وأبوابها مقفلة من الداخل. حتى المحققون لم يتمكنوا من فتح الأبواب والدخول في البداية. اضطروا للتواصل مع شركة نقل الأموال ليأتوا ويفتحوا لهم الشاحنة. بعد أن وصل موظفو الشركة وفتحوا الشاحنة، تمكن المحققون من التأكد من هوية الجثة، وكما كانوا متوقعين، كانت جثة السائق جون مُوكاش.

بعد أن فحص المحققون الشاحنة عن قرب من الداخل والخارج، لم يجدوا أي علامات تدل على اقتحام عنيف. كان واضحًا أن الأشخاص الذين نفذوا العملية لديهم خبرة وأن العملية تم التخطيط لها بدقة وتنفيذها باحترافية عالية. فحص خبراء الأدلة الجنائية الشاحنة من الداخل والخارج بحثًا عن أي أثر قد يكون تركه المنفذون، لكن السيارة كانت نظيفة بالكامل. لم يكن هناك شعر أو حمض نووي أو بصمات تدل على المنفذين. كل ما وجده خبراء الأدلة الجنائية كان بعض البصمات تعود لموظفين تابعين لشركة نقل الأموال. داخل الشاحنة، كانت هناك بقايا من الأموال تركها اللصوص، لكنها كانت عبارة عن عملات معدنية، على الأغلب تركوها لأن وزنها ثقيل وقيمتها قليلة، أما النقود الورقية فكلها قد ذهبت.

لم يكن لدى المحققين أي خيط واضح يمكن أن يدلهم على المجرمين، لكنهم بدأوا بتحليل الأمور خطوة بخطوة. أولاً، عرفوا أن المنفذين على الأغلب كانوا عدة أشخاص، أي شخصين أو أكثر، لأنه من الصعب جدًا أن ينفذ شخص واحد مثل هذه العملية بمفرده. ثانيًا، كان هؤلاء الأشخاص لديهم خبرة في التعامل مع الشرطة، ولديهم خبرة في طرق عمل الشرطة، لأنهم تركوا الشاحنة في مكان يعتبر خارج حدود المدينة. هذا الأمر سيبعدها عن نطاق البحث، وسيضعها تحت صلاحية قسم شرطة آخر تابع لمدينة أخرى، وهذا الأمر يعقد التحقيقات.

أثناء عملية تشريح الجثة، حصل الطبيب الجنائي على بعض أجزاء الرصاصة التي أصابت السائق، لكن الأجزاء كانت صغيرة جدًا بحيث لا يمكن تحديد نوع الرصاصة بدقة. هذه الرصاصة كانت من النوع الذي يتحطم إلى أجزاء صغيرة عندما يصيب هدفه. المجرمون الذين يستخدمون هذا النوع من الرصاص عادة يفعلون ذلك لمنع الشرطة من تتبع الرصاصة أو السلاح المستخدم في الجريمة. أيضًا، من خلال تحليل الجثة، توصل الطبيب الجنائي إلى أن إطلاق النار تم من مسافة بعيدة قليلًا، أي من مسافة 10 أمتار أو أكثر. لم يتم إطلاق النار عليه من مسافة قريبة، لأنه لو تم ذلك، لكانت هناك بودرة من المسدس موجودة على أجزاء الرصاصة، لكن لم يكن هناك أي أثر للبودرة.

استمرت التحقيقات في الأيام التالية، وأخيرًا، حصل الإف بي آي على شاهد يمكن أن يعطيهم خيطًا جديدًا. قال هذا الشاهد إنه رأى الشاحنة بعد خروجها من مواقف المركز التجاري. قال إنه في نفس الوقت الذي وقعت فيه السرقة، كان يقف على تقاطع شارع قريب من المركز التجاري، ورأى شاحنة فان بيضاء قادمة من جهة المركز التجاري باتجاهه وكانت تتحرك في الشارع بسرعة كبيرة جدًا وعبرت من أمامه وهي محافظة على سرعتها. وقال أيضًا إنه كانت هناك سيارة بيك أب حمراء تتبع الشاحنة مباشرة بنفس السرعة، لكنه لم يكن متأكدًا مما إذا كانوا معًا أم لا.

لم يتمكن الشاهد، الذي كان اسمه مورغان، من تذكر أي تفاصيل أخرى. لم يتمكن من تذكر عدد الأشخاص الذين رآهم، ولم يتمكن من تذكر رقم لوحة السيارة الحمراء. طلب المحققون طلبًا غريبًا من الشاهد مورغان، طلبوا منه الحضور معهم إلى مكتب الإف بي آي ليتم عرضه على خبير تنويم مغناطيسي يمكن أن يحفز ذاكرته. على ما يبدو أن الإف بي آي لديهم خبراء تنويم مغناطيسي مهمتهم تنشيط ذاكرة الشهود. وافق مورغان على الذهاب معهم إلى خبير التنويم المغناطيسي.

هذا الخبير كان خبيرًا نفسيًا جنائيًا لديه مهارات وطرق معينة يمكنه استخدامها على الشهود لتحفيز ذاكرتهم. نحن البشر لدينا عقول بقدرات عالية جدًا، لكن الكثير من هذه القدرات والمعرفة والذاكرة التي اكتسبناها تكون مدفونة في العقل الباطن، ومن الصعب الوصول إليها واستخراجها. مهمة خبير التنويم المغناطيسي هي محاولة فتح الأبواب التي تؤدي إلى العقل الباطن للذاكرة الداخلية. الهدف هو أن يحاول جعل الشاهد يعود بذاكرته ويعيش الموقف الذي حدث مرة أخرى وكأنه يحدث الآن أمامه.

بالفعل، تحت التنويم المغناطيسي، عاد مورغان بذاكرته إلى تلك اللحظة وتمكن من تذكر عدد الأشخاص. كان هناك شخصان في الشاحنة وشخص واحد في سيارة البيك أب الحمراء التي كانت خلفهم. عرف المحققون الآن أن العصابة على ما يبدو تتكون من ثلاثة أشخاص أو أكثر. تمكن مورغان أيضًا من تذكر رقم لوحة البيك أب الحمراء بشكل جزئي، تذكر أن اللوحة فيها الأرقام 2 و3 و5، لكنه لم يتمكن من تذكر ترتيب الأرقام بالضبط، ولم يتمكن من تذكر الحروف أو الرموز. لكن مجرد معرفتهم للأرقام كان إنجازًا بحد ذاته.

بدأ المحققون في البحث عن سيارة بيك أب حمراء تتطابق أرقامها مع الأرقام التي ذكرها مورغان، لكن هذا البحث أعطاهم نتيجة بمئات السيارات، لأن في ذلك الوقت في ولاية أريزونا، لم تكن الشرطة تسجل ألوان السيارات في رخص التسجيل. كانت هذه إحدى العقبات التي واجهت المحققين. ومع ذلك، استمر المحققون في البحث عن هذه السيارة، وتمكنوا من الوصول إلى عدد كبير من أصحاب سيارات البيك أب التي كانت لوحات سياراتهم تحمل هذه الأرقام التي ذكرها الشاهد، لكن بعد عشرات المقابلات والمتابعات، لم يتمكنوا من الوصول إلى السيارة المطلوبة. للأسف، كانت السيارة نهاية مغلقة.

لكن الموضوع لم ينته هنا. بعد جلسة التنويم المغناطيسي، تمكن الشاهد مورغان من تذكر شكل أحد الرجلين اللذين كانا في الشاحنة. استعان المحققون برسّام رسومات جنائية، ومن خلال وصف مورغان، رسموا رسمًا تخطيطيًا لهذا الشخص. تم نشر الرسمة في الإعلام، وكان شكل الشخص مميزًا، خاصة وأن شعره كان طويلًا ولحيته بستايل قفل وكبيرة.

بعد عدة أيام من نشر هذه الرسمة في الإعلام، تلقت الشرطة اتصالًا من امرأة. قالت هذه المرأة إنها تعتقد أنها تعرف من هو الشخص الموجود في الرسمة، لكنها قالت إنها لا تستطيع التحدث مع المحققين بشكل مباشر لأنها تخاف أن يشك فيها الأشخاص الذين حولها، أي أن الأشخاص الذين حولها قد يكونون هم المجرمين. بعد أن تحرى الإف بي آي وبحثوا في موضوع هذه المرأة، اكتشفوا أن رخصة قيادتها منتهية منذ فترة. أبلغوا الشرطة المحلية أن يذهبوا إلى بيتها ويأخذوها على أساس أن رخصتها منتهية وعليها مخالفات غير مدفوعة. كان هذا بمثابة غطاء للتمويه على الموضوع، فهم في الأصل أحضروها لتدلي بشهادتها للمحققين.

أحضرت الشرطة هذه المرأة إلى القسم، وتمكن محققو الإف بي آي من الجلوس معها وإجراء مقابلة سرية. قالت المرأة إن لديها صديقة اسمها جودي إسبينوزا، وأن صديقتها جودي هذه أول ما رأت الرسمة على التلفزيون اتصلت بها وقالت لها إن هذا الرجل الذي في الرسمة يشبه حبيبها جدًا، وكانت محتارة في الموضوع. هنا، قالت هذه المرأة لصديقتها جودي أن تبلغ الشرطة عن حبيبها، لكن جودي على ما يبدو أنها تجاهلت الموضوع ولم تفعل ذلك حتى الآن. لذا، قررت هي بنفسها التواصل مع الشرطة، وهذا ما أوصلها إلى هنا. شكرها المحققون على تعاونها وسمحوا لها بالعودة إلى منزلها، والآن، يجب عليهم الذهاب إلى صديقتها التي اسمها جودي لمعرفة موضوعها مع حبيبها.

ذهب المحققون إلى جودي في مكان عملها، وعرّفوا عن أنفسهم وسألوها عن السرقة وما إذا كان لحبيبها أي دور فيها، وذكّروها بأن الكذب في تحقيق فدرالي يعتبر جريمة بحد ذاتها. وافقت جودي على الإجابة على أسئلتهم وقالت لهم إن حبيبها الذي اسمه جيمس غرينهام يشبه بالفعل الشخص الذي ظهر في الرسمة على التلفزيون. وقالت لهم أيضًا إنها بعد أن رأت الرسمة، ذهبت إليه وسألته عن الموضوع، لكنه لم يرد عليها بجواب واضح وسألها: "ماذا ستفعلين لو أنني فجأة أصبحت أملك الكثير من المال؟" هذا هو الرد الذي أعطاها إياه، أي التف عليها بطريقة ما.

أخبرت جودي الإف بي آي أيضًا أن حبيبها جيمس كان لديه صديق مقرب دائمًا معه، واسم هذا الصديق تيموثي رينغ. تقول إنهم كانوا أحيانًا يذهبون إلى منزله، وهي تعرف أن حبيبها جيمس وصديقه تيموثي هذا كانا معدمين، لكن فجأة خلال الشهر الماضي، لاحظت أنهما بدآ في شراء أشياء جديدة وغالية: دراجات جيت سكي، وساعات، وأشياء من المفترض أنها خارج نطاق قدرتهما المادية.

كانت هذه المعلومات الجديدة التي حصل عليها المحققون من جودي ممتازة جدًا. أصبحوا شبه متأكدين من أنهم وضعوا أيديهم على المجرمين، لكن بالطبع، لم يكن كلام جودي كافيًا دون دليل. كان عليهم الحصول على أدلة قاطعة ضدهم. وكانوا أيضًا بحاجة إلى الحصول على إجابة للسؤال المحير: كيف تمكنوا من دخول الشاحنة على الرغم من جميع وسائل الحماية التي عليها؟ هل يعرفون السائق؟ هل أقنعوا السائق بفتح الباب بطريقة ما؟ هل هددوه مثلًا؟ ما الذي حدث بالضبط؟

بدأ المحققون في البحث في خلفيات الاثنين. أول ما اكتشفوه هو أن الرجل الثاني، تيموثي رينغ، كانت لديه سيارة بيك أب حمراء مواصفاتها مطابقة للمواصفات التي ذكرها الشاهد مورغان، لكن لوحتها لم تكن تحمل نفس الأرقام التي ذكرها الشاهد وهو تحت التنويم المغناطيسي. لكن مع ذلك، تعتبر هذه البيك أب خيطًا قويًا يؤكد أن هذا هو رجلهم المطلوب. اكتشف المحققون أيضًا أن تيموثي كان في الواقع مخبرًا عمل لصالح الإف بي آي في قضايا سابقة. إذا كنتم لا تعرفون ما هو المخبر، فهو شخص يعمل مع المجرمين أو العصابات، لكن في نفس الوقت يعمل مع الشرطة ويبلغ عن أصحابه، ويمكنه أن يكسب من الجانبين. يكسب من الأعمال الإجرامية مثل السرقات وغيرها، ويكسب أيضًا من الشرطة أو الإف بي آي الذين يدفعون له مقابل المعلومات التي يعطيها لهم. وفي الوقت نفسه، يحصل على حصانة على الأشياء التي يبلغ عنها.

اكتشف المحققون أيضًا أن الرجلين قد عملا سابقًا كحراس سجن، وخضعا لتدريبات احترافية في استخدام الأسلحة. كل هذا يؤكد على المواصفات التي كانت لدى المحققين منذ البداية. كانوا يعرفون أن منفذي العملية محترفون ولديهم خبرة في التعامل مع الشرطة والقوات الأمنية. هذا الأمر سيصعب مهمة المحققين أكثر، لأنه الآن عليهم مراقبتهم وتتبعهم للحصول على أدلة ضدهم، لكن لأن الرجلين محترفان، ستكون مراقبتهما صعبة دون أن يشعرا. سيكون مستوى انتباههما عاليًا مقارنة بالشخص العادي. لذلك، يجب أن يكون عملاء الإف بي آي الذين سيراقبونهم حذرين جدًا أثناء تتبعهم.

عين الإف بي آي فرق مراقبة أرضية، وحتى فرقة مراقبة جوية عليهم. هذه الفرق ستتبعهم على مدار 24 ساعة. خلال المراقبة، لاحظ عملاء الإف بي آي أن جيمس وصاحبه تيموثي كانا ينفقان مبالغ كبيرة على أشياء مختلفة، ووفقًا لتحريات المحققين، لم يكن لدى جيمس أو تيموثي وظيفة أو مصدر دخل شرعي لهذه الأموال. كان المراقبون يصورون ويوثقون كل شخص يلتقي به جيمس وتيموثي. كانوا يعرفون أن هناك شخصًا ثالثًا على الأقل معهم في العملية.

بعد عدة أسابيع من المراقبة، وصل الإف بي آي أخيرًا إلى الشخص الذي يعتقدون أنه الشريك الثالث في العملية، وهو رجل بلحية اسمه ويليام فيرجسون. بعد أن بحث المحققون في خلفية هذا الرجل، اكتشفوا أنه كان في الواقع ضابط شرطة، لكن تمت إحالته للتقاعد المبكر بالإجبار بسبب بعض المشاكل التي دخل فيها. مواصفاته تتطابق مع مواصفات شخص يمكن أن يكون شريكًا في هذه العملية. شخص خبير بالأسلحة، وخبير بطرق عمل الشرطة، وله سوابق سيئة. وضع الإف بي آي أعينهم عليه وبدأوا في مراقبة الثلاثة: جيمس غرين، وتيموثي رينغ، وويليام فيرجسون.

بعد فترة، وصلت المحققين معلومة جديدة أكدت أنهم يسيرون في الطريق الصحيح. جاءهم شخص إلى القسم وأعطاهم معلومة. اسم هذا الشخص مايكل ساندرز. قال لهم إنه خلال شهر نوفمبر الماضي، وهو الشهر الذي وقعت فيه عملية السرقة، كان هو وتيموثي رينغ وجيمس غرين معًا يعاينون ويتحرون عن شاحنات نقل الأموال. وقال لهم إن شرطيًا سابقًا اسمه "فيرجي" كان يساعدهم، لكنه لم يلتق به. على ما يبدو أن هذا الشخص، مايكل ساندرز، كان سيكون الشريك الرابع معهم في العملية، لكن على ما يبدو أنهم سحبوا عليه وأقصوه جانبًا ونفذوا العملية بدونه. والآن، لأنه غاضب، جاء ليبلغ عنهم انتقامًا منهم. ومع أنه لم يكن يعرف اسم الشرطي السابق بالكامل، كان يعرف فقط لقبه "فيرجي"، لكن من الواضح أن فيرجي اختصار لاسم ويليام فيرجسون. هذه المعلومة أكدت أن المحققين يسيرون في الطريق الصحيح، لكن يظل كلام هذا الشخص مجرد كلام بدون دليل قاطع. لذا، عليهم أن يكملوا المراقبة للحصول على دليل قاطع.

إحدى التكتيكات التي استخدموها في البحث عن الأدلة هي البحث في القمامة. عندما كان أحد المشتبه بهم يرمي قمته، كان المراقبون يذهبون على الفور ويأخذون كيس القمامة الذي رماه، ثم يبحثون في الكيس عن أي دليل يمكن أن يفيدهم في الإدانة. في أحد الأكياس، وجدوا أوراقًا مكتوبًا ومرسومًا عليها معلومات وخطوط تحركات شاحنات نقل الأموال. هذا لم يكن دليلًا قاطعًا، لكنه دليل مفيد يضاف إلى الأشياء الموجودة لديهم.

بعد فترة من المراقبة، للأسف، لم يتمكن المحققون من الحصول على أدلة جديدة. وبعد التشاور، قرروا أن يحاولوا صنع الأدلة بأنفسهم، لكن كيف سيصنعون أدلة؟ ببساطة، سيحاولون تسجيل تسجيلات صوتية للمشتبه بهم وهم يعترفون بجريمتهم. بالطبع، هذا الأمر يتطلب خطة محكمة لكي تنجح. من خلال المراقبة، كان المحققون متأكدين تقريبًا من أن الثلاثة يستخدمون شقة جيمس غرين للاجتماعات، لأن شقته كانت أكثر مكان يلتقون فيه. وهذا أمر منطقي لأن الاثنين الباقيين كان لديهم عائلات يعيشون معها، فمن الطبيعي أن تجري اجتماعاتهم في منزل الشخص الذي ليس لديه عائلة، وهو جيمس غرين.

قرر الإف بي آي تركيب أجهزة تنصت. في ليلة من الليالي، بعد أن تأكدوا من أن جيمس خارج الشقة، تسلل بعض عملاء الإف بي آي إلى شقته بطريقة نظيفة، أي بدون أن يظهر أنه كان هناك اقتحام أو قفل باب مكسور أو شيء من هذا القبيل، حتى لا يكتشف الموضوع. ثم، قاموا بضبط أجهزة التنصت وتركيبها في أماكن خفية حتى لا يكتشفها أحد. وعندما انتهوا، أخذوا أدواتهم وخرجوا. الآن، أصبح الإف بي آي قادرين على التنصت على المحادثات التي تجري بينهم في شقة جيمس. كان الإف بي آي أيضًا يتنصتون على هواتفهم ومكالماتهم.

كان المحققون يعرفون أن المشتبه بهم الثلاثة لن يتحدثوا عن العملية بشكل عشوائي هكذا، وكان عليهم أن يفعلوا شيئًا لتحفيزهم على الكلام. قرر المحققون نشر معلومات مُضللة قد تدفع الثلاثة للكلام عن العملية. أصدر الإف بي آي بيانًا صحفيًا ذكروا فيه معلومات خاطئة وتفاصيل مغلوطة عن العملية. ذكروا مثلًا مواصفات بعيدة جدًا عن المشتبه بهم، قالوا واحد بشرته سمراء وواحد أصلع، وبدأوا في تأليف تفاصيل بعيدة جدًا عن المشتبه بهم الثلاثة. وبعد هذا البيان، بدأوا في التنصت وانتظروا اجتماع الثلاثة، لأنهم كانوا متأكدين من أنهم سيتحدثون عن الموضوع.

بالفعل، اجتمع الثلاثة في شقة جيمس غرين كالعادة، وكما كان متوقعًا، بدأوا في الحديث عن المعلومات التي ذكرها الإف بي آي في البيان الصحفي. بدأوا يتحدثون عن القضية وهم يضحكون ومسرورون لأن التحقيقات بعيدة تمامًا عنهم. لكن على الرغم من هذا، وعلى الرغم من المناقشات التي دارت بينهم، لم يقولوا صراحة إنهم هم من نفذوا العملية. كانت هذه هي القطعة الناقصة. صحيح أن الأدلة التي أصبحت لدى الإف بي آي محترمة ويمكن أن تبني ضدهم قضية قوية، لكن الإف بي آي دائمًا ما يكون أسلوبهم هو أنهم لا يحسمون التحقيق حتى يكون لديهم ذلك الدليل الذي يستحيل أن يخرج منه المجرم بأي طريقة. لذا، استمر المحققون في التنصت على أمل الحصول على شيء جديد. كانوا أحيانًا يلتقطون محادثات أو مكالمات مفيدة. مثلًا، في يوم من الأيام، التقطوا مكالمة بين تيموثي ورينغ وهما يتحدثان عن شراء سيارات غالية، وكانا قلقين من أنهم إذا اشتروها، فقد تجذب إليهم الأنظار.

في هذه المكالمة، ذكر تيموثي أيضًا أن ضغطه بدأ يرتفع بسبب العضو الثالث الذي معهم، وهو جيمس غرين، وقال عنه إنه أصبح ضعيفًا ومتوترًا، وهذا يجعله خائفًا من أن يفعل شيئًا خاطئًا ويفضحهم. من هذه المحادثة، فهم المحققون أن تيموثي يحتفظ بحصة جيمس عنده، أي أنه لم يعطه جميع أمواله لأنه لا يثق به، وكان يعطيه أمواله بالقطارة، أي أنه كان يعطيه مبلغًا صغيرًا كل فترة، وذلك للسيطرة عليه. من خلال هذه المحادثات، فهم المحققون أن تيموثي هو الزعيم وأن جيمس مجرد تابع، وعلى ما يبدو أن ويليام، الشرطي السابق، مقرب من تيموثي أكثر، أي أن تيموثي يعامله معاملة الزميل على عكس جيمس الذي يعامله كمجرد تابع.

لاحظ المحققون أيضًا من خلال المحادثات أن تيموثي طباعه عنيفة، وطريقة كلامه وأسلوبه فظ وقاس، ومن الواضح أنه كان يعكس هذه القسوة على جيمس. عرف المحققون أن جيمس هو الحلقة الأضعف. تخيلوا أن تيموثي كان حتى يستخدمه مثل المرسال لشراء أغراض له من السوبر ماركت، كان حتى يجعله يشتري له ملابسه الداخلية. كان جيمس بمثابة اللعبة عند تيموثي. لذا، قرر المحققون التركيز على جيمس ومحاولة جعله أكثر توترًا.

إحدى الأشياء التي فعلوها هي أنهم تركوا أوراقًا عليها رسمة لوجهه أمام باب شقته. عندما رأى جيمس الرسمة، استغرب وخاف، لكنه لم يفترض على الفور أن هذه هي الشرطة أو الإف بي آي. ربما اعتقد أنه أحد الجيران أو الأشخاص الذين حوله والذين يحقدون عليه ورأوا أن شكله يشبه هذا الذي في الرسمة، فقرروا أن يلعبوا عليه مقلبًا. لكن بعد بضعة أيام، وضع أحد المحققين بطاقة مثل بطاقة عمل عليها اسمه ورقم هاتفه على باب شقة جيمس. وفي ظهر هذه البطاقة من الخلف، كتب "الدليل 173".

بدأ المحققون في مراقبة رد فعل جيمس عندما حصل على البطاقة. عندما رأى جيمس البطاقة ورأى مكتوبًا عليها اسم المحقق ومكتوبًا تحتها "محقق"، هنا شعر بالخوف على الفور. وعندما قلب البطاقة ورأى مكتوبًا خلفها "الدليل 173"، هنا علم أن هناك مصيبة. شعر على الفور أن هذا له علاقة بعملية الشرطة، وأنهم يشكون فيه ويراقبونه. تراجع جيمس على الفور وابتعد عن شقته وركب سيارته وذهب. بالطبع، كان الإف بي آي يلاحقونه، لكن هذه المرة من الجو بطائرة هليكوبتر حتى لا يلاحظهم. استمر جيمس في الابتعاد أكثر بالسيارة حتى وصل إلى مكان خالٍ في منتصف الصحراء تقريبًا. ثم، نزل من السيارة واتصل بصاحبه تيموثي. كان جيمس متوترًا جدًا وهو يتحدث مع تيموثي، وقال له إنه حصل على بطاقة محقق مكتوب عليها "الدليل رقم 173" على باب بيته، وإنه خائف من أن الشرطة تراقب بيته وأنهم يشكون فيه.

ظل تيموثي يحاول تهدئته وطمأنته، وقال له "لا تخف، عد إلى المنزل وتصرف بشكل طبيعي، وصدقني كل شيء سيكون تمامًا". وقال له إنه سيأتيه في اليوم التالي ويتحدث معه. عاد جيمس إلى شقته ونام تلك الليلة، وفي صباح اليوم التالي، ذهب تيموثي إلى جيمس في شقته. بالطبع، كانت الشقة مزودة بأجهزة تنصت، لذا سمع المحققون المحادثة بأكملها. كانت المحادثة طويلة واستمرت حوالي الساعة. كان تيموثي يحاول تهدئة جيمس الذي كان من الواضح أنه متوتر ومرتبك. وفي نهاية كلامهم، قال تيموثي لجيمس: "لو كانت الشرطة لديها دليل عليك، لكانوا اقتحموا شقتك واعتقلوك". هنا، بعد أن سمع المحققون هذه المحادثة، عرفوا أنهم جمعوا أدلة كافية ضدهم، حتى لو لم يكونوا قد قالوا صراحة إنهم هم من نفذوا العملية. فالأدلة ضدهم كانت واضحة لأي شخص عاقل. لذا، قرروا أن الوقت قد حان للتحرك واعتقالهم.

في صباح اليوم التالي، تم إصدار أمر بالقبض عليهم، وتحركت قوات الشرطة باتجاه منازلهم. تم اعتقال جيمس غرين في منزله دون مقاومة. أما بالنسبة لويليام فيرجسون، الشرطي السابق، فقد حاول المقاومة، لكن الضباط سيطروا عليه واعتقلوه. أما بالنسبة لتيموثي رينغ، وبما أنه كان يعمل كمخبر في قضايا سابقة مع الإف بي آي، فقد اتصل به الإف بي آي وطلبوا منه أن يحضر إليهم لإنهاء بعض الإجراءات المتعلقة بإحدى القضايا التي كان له دور فيها كمخبر في السابق. ظن تيموثي أن الأمر طبيعي وذهب إليهم. بالطبع، لم يكن يعلم أن هذا الاستدعاء كان في الواقع كمينًا وفخًا للقبض عليه في مكتب الإف بي آي.

وهذه اللقطة التي أمامكم هي لقطة حقيقية. هنا نرى تيموثي وهو يدخل إلى مكتب الإف بي آي، وكان هناك عملاء متخفون ينتظرونه في الردهة لاعتقاله. لماذا فعلوا ذلك؟ لماذا استدعوه إلى مكتبهم بدلًا من الذهاب للقبض عليه؟ السبب ببساطة هو أنهم كانوا يعتقدون أن تيموثي هو الأخطر بينهم، وإذا ذهبوا لاعتقاله، فقد يكون مسلحًا ويقاوم، وقد يحدث إطلاق نار وقد يموت أحد. لكن إذا استدعوه إلى مكتبهم على أساس أنه مخبر، فبالتأكيد لن يكون مسلحًا وهو يدخل مكتب الإف بي آي. لذا، قام العملاء المتخفون بسرعة بمباغتته والإنقضاض عليه قبل أن يتمكن من إبداء أي رد فعل. وبذلك، تم اعتقال الثلاثة جميعًا وأصبحوا في قبضة الإف بي آي.

كانت الخطوة التالية هي تفتيش منازلهم وأماكن سكنهم. من بين الأدلة التي عثروا عليها في منزل تيموثي، كانت هناك ورقة مكتوب عليها طريقة تقسيم الأموال بين الثلاثة. كانوا قد كتبوا الحروف الأولى من أسمائهم وكتبوا مجموع الأموال التي تمت سرقتها وقسموها على كل واحد منهم بنسبة. هذه الورقة تمت إضافتها إلى قائمة الأدلة ضدهم. في مرآب منزله، وجدوا أيضًا سيارته البيك أب الحمراء، ولكن كما ذكرنا سابقًا، كانت لوحة أرقامها مختلفة تمامًا عن الأرقام التي تذكرها الشاهد مورغان وهو تحت التنويم المغناطيسي. قال المحققون إن الشاهد ربما لم يتمكن من التذكر جيدًا. وجد المحققون أيضًا في منزل تيموثي حقيبة تحتوي بداخلها على كمية كبيرة من النقود. وخلال عملية تفتيشهم لمنازل بقية المشتبه بهم، وجدوا تقريبًا كل المليون دولار التي سرقوها من الشاحنة، وما كان ناقصًا هو حوالي 100 ألف دولار، وعلى الأغلب هذا هو المبلغ الذي أنفقوه خلال الأشهر الثلاثة الماضية.

أصبحت الأدلة الآن محسومة ضدهم. كان الإف بي آي على وشك الفوز بالقضية بنسبة 100%. بدأ المحققون في استجواب المتهمين الثلاثة. تيموثي رينغ وويليام فيرجسون رفضا التحدث أو التعاون مع التحقيق بأي طريقة، على الرغم من أن جميع الأدلة كانت ضدهم. جيمس غرين كان الوحيد بينهم الذي أبدى نوعًا من الندم على الجريمة التي ارتكبوها. كان المحققون يعلمون دائمًا أنه الحلقة الأضعف، وإذا كان هناك أحد سيتكلم منهم، فسيكون هو. لكن حتى جيمس رفض التحدث في البداية. ظل المحققون معه لمدة ساعة كاملة يحاولون إقناعه، وطوال الوقت كان يتمتم بكلام غير مفهوم. لكن في النهاية، بعد الكثير من الضغط والمحاولات، قال جيمس لهم: "تيم هو الذي أطلق النار." كان "تيم" اختصارًا لاسم تيموثي. بعد هذا الاعتراف، قبل جيمس أن يتحدث ويتعاون مع المحققين ويحكي لهم تفاصيل العملية، والدور الذي لعبه كل واحد منهم، وكيف تمكنوا من الاستيلاء على شاحنة الأموال على الرغم من كل التدابير الأمنية والحماية التي كانت عليها.

قال جيمس إن التخطيط للعملية بدأ قبل حوالي ستة أشهر من تنفيذها. قال لهم إن صاحب الفكرة كان تيموثي، هو الرأس المدبر وهو الذي شجعهم على الانضمام إليه. في البداية، ظلوا يتتبعون ويراقبون عددًا كبيرًا من شاحنات نقل الأموال. كانوا يتتبعون الشاحنات هذه ويرسمون طريقها على الخريطة ويكتبون أماكن توقفها وأوقات حركتها. بعد عدة أشهر من عملية المراقبة والتتبع هذه، حصلوا على الهدف المناسب، والذي كان الشاحنة التي يقودها السائق المقتول جون مُوكاش. ظلوا مركزين على هذه الشاحنة ورسموا مسارها ودرسوها دراسة كاملة من الألف إلى الياء.

أحد الأسباب التي جعلتهم يختارون هذه الشاحنة بالذات هو توقفها عند المركز التجاري في فترة الظهيرة. كانوا يعلمون أن المركز التجاري في وقت الظهيرة يكون عدد الناس فيه قليلًا. وكان جون مُوكاش يتوقف دائمًا في نفس الموقف وفي نفس المكان بالضبط. كل هذه العوامل ساعدتهم على تنفيذ عمليتهم دون أن ينتبه إليهم أحد. كان المركز التجاري تقريبًا آخر محطة للشاحنة، أي أنهم يكونون قد جمعوا مبلغًا كبيرًا من الصباح وهم يمرون على مختلف المحلات والأعمال التجارية. أي أن الثلاثة كانوا يضربون الشاحنة في الوقت الذي تكون فيه الأموال أكثر ما يمكن. والسبب الأهم من كل هذا هو أنهم لاحظوا أن السائق جون مُوكاش كان كلما توقف عند هذا المركز التجاري يفتح باب الشاحنة ويجلس يدخن سيجارة. هذه كانت الثغرة التي كانوا يحتاجونها لاختراق جميع دفاعات الشاحنة. بالطبع، قوانين شركة نقل الأموال تمنع هذا الشيء، تمنع أن يفتح السائق باب الشاحنة وهو واقف، لكن جون مُوكاش على ما يبدو أنه كان متساهلًا وأن مزة التدخين كانت أقوى من أن يقاومها.

حتى اختيارهم لتاريخ العملية كان بتخطيط. اختاروا تاريخ 28 نوفمبر لأنه تاريخ عيد الشكر، فيكون شغل المحلات والأعمال التجارية مزدهرًا فتكون الشاحنات محملة بمبالغ وكاش أكثر من المعتاد. وحتى اختيارهم للتاريخ كان دقيقًا ومخططًا له ولم يكن عشوائيًا. وعندما جاء يوم التنفيذ، كان جيمس غرين ووليم فيرجسون واقفين وينتظرون. انتظروا أولًا حتى نزل جامع الأموال من الشاحنة وابتعد باتجاه المركز التجاري لجمع الأموال من القسم المختص. ومباشرة بعدها، كالعادة، رأوا السائق جون مُوكاش يخرج سيجارته ويفتح الباب مقدارًا بسيطًا ليدخن. قد يسأل البعض: لماذا لم ينزل الشباك بدلًا من فتح الباب؟ الجواب ببساطة هو أن الشباك لا ينزل أصلًا. هذه إحدى وسائل الحماية في هذه الشاحنة. لذا، كان عليه أن يفتح الباب ليخرج الدخان، وكان يفتح الباب مقدارًا بسيطًا جدًا، ربما حوالي 20 سنتيمترًا فقط. لكن هذه الفتحة الصغيرة كانت كافية لمحترف في التصويب مثل تيموثي رينغ ليقنص من خلالها.

كان تيموثي خاضعًا لتدريبات احترافية على البنادق والقنص، وكان حتى يشارك في مسابقات الرماية. كان تيموثي ينتظر على مسافة ليست بعيدة جدًا في سيارة البيك أب الحمراء، ربما كان على مسافة 15 مترًا من الشاحنة. عندما رأى السائق جون مُوكاش يفتح الباب، جهز بندقيته وصوبها باتجاهه. كانت البندقية مزودة بكاتم للصوت، وهذا الكاتم يمنع أن يجذب صوت الطلقة انتباه أي شخص قد يكون موجودًا في الجوار. ومن خلال فتحة الباب الصغيرة، تمكن تيموثي من إصابة السائق بطلقة في جانب الرأس. وبالمناسبة، بحسب تحليلات الطب الشرعي للجثة، فالسائق لم يمت على الفور، بل ظل حيًا لفترة وبعدها مات، أي أنه مات ميتة مؤلمة.

بعد أن سقط السائق، ركب جيمس ووليم الشاحنة على الفور وتحركوا بها خارج المركز التجاري. وكان تيموثي يقود سيارة البيك أب الحمراء. كل هذا حدث دون أن ينتبه أحد من الموجودين حول المركز التجاري أو حول مواقف المركز التجاري، لأن العملية كانت صامتة تمامًا. لم يلاحظ أحد أي شيء غريب. ظلت الشاحنة تسير في الشارع، وخلفها سيارة البيك أب الحمراء، حتى وصلوا إلى مواقف الكنيسة. وكما قلنا من قبل، فإن الكنيسة هذه كانت تعتبر خارج حدود المدينة، أي أنهم دخلوا مدينة أخرى. كان هذا جزءًا من خطتهم، كانوا يعلمون أن هذا الأمر سيؤخر عثور الشرطة على الشاحنة، وفوق ذلك، سيجعل أكثر من قسم شرطة يتولى القضية، ما سيؤدي إلى تأخير في إجراءات القضية.

بعد أن توقفوا في مواقف الكنيسة، بدأوا على الفور في نقل الأموال من الشاحنة إلى البيك أب، ولم يتركوا وراءهم إلا العملات المعدنية. ثم تركوا الشاحنة في مواقف الكنيسة، وتحركوا على الفور بالبيك أب وذهبوا إلى مكان معزول وسط الصحراء. وهناك، أحرقوا جميع ملابسهم وجميع الأدلة التي يمكن أن تشير إليهم. قال جيمس للمحققين أيضًا خلال اعترافاته إن لوحة أرقام سيارة البيك أب كانت مزيفة، وإنهم دفنوا اللوحة المزيفة هذه في الصحراء في المكان الذي أحرقوا فيه الأدلة. طلب المحققون من جيمس أن يأخذهم إلى هذا المكان، ووافق جيمس. وهناك، بالفعل، حصل المحققون على كومة من الأشياء المحروقة: ملابس وأغراض، ومن الواضح أن الثلاثة استخدموها خلال العملية. وتمكنوا أيضًا من استعادة لوحة البيك أب المزيفة التي تخلص منها الثلاثة. وكانت المفاجأة هي أن اللوحة المزيفة تحمل نفس الأرقام التي ذكرها لهم الشاهد مورغان وهو تحت التنويم المغناطيسي، أي أن التنويم المغناطيسي قد عمل بشكل رهيب.

في النهاية، تمت محاكمة المتهمين الثلاثة وإصدار الحكم عليهم. بالنسبة لجيمس غرين والشرطي السابق ويليام فيرجسون، فقد أُعطيا أحكامًا مشابهة كونهما شريكين في العملية، وأُعطيا حكمًا بحوالي 30 سنة في السجن. أما بالنسبة للرأس المدبر تيموثي رينغ، وبما أنه المخطط لهذه العملية وهو القاتل الذي أطلق النار على السائق، فكان من المؤكد أنه سيواجه أقصى حكم بينهم. مع بداية محاكمته، ادعى تيموثي البراءة من التهمة وأنكر أنه كان قاتل السائق، وظلت قضيته مستمرة في المحكمة لعدة سنوات. وكلما ظهر تيموثي أمام الإعلام، كان يؤكد أنه بريء وأن الإف بي آي هم الذين ألصقوا هذه التهمة به. وظل هو ومحاميه يحاولون تقديم دفاعات ضعيفة في المحكمة، لكن في النهاية، هيئة المحلفين وجدت أنه مذنب، والقاضي حكم عليه بالإعدام في عام 1997. لكن على ما يبدو أن حكم الإعدام لم يُنفذ، وقضيته تحولت بعد ذلك إلى المحكمة العليا وتم إبطال حكم الإعدام. وحاليًا، تيموثي مسجون مؤبدًا.

بعد أن قرأت في تفاصيل القضية، على ما يبدو أن سبب إبطال حكم الإعدام يعود إلى بعض القوانين التي كانت موجودة في ولاية أريزونا، وأن القاضي حكم بالإعدام دون هيئة المحلفين، أي أنه حكم من تلقاء نفسه. الموضوع فيه تفاصيل قانونية وأمور معقدة قليلًا. الخلاصة هي أن حكم الإعدام لم يُنفذ وأن تيموثي رينغ يقضي حاليًا حكمًا مؤبدًا في السجن.

وهكذا نكون قد وصلنا إلى نهاية قصتنا. آمل أن تكونوا قد استمتعتم كالعادة. إذا أعجبتكم، فلا تنسوا التفاعل معنا.

وهذه أيضًا بعض القصص الممتعة التي يمكنكم قراءتها:

شكرًا لكم على المتابعة. أراكم في المقالة القادمة، ومع السلامة. 

إرسال تعليق (0)
أحدث أقدم